بداية القصة
رحلتنا نحو فضح “الدّراويش”
“خذ أمر دينك بيدك، ولا تدع الدراويش يتلاعبون بك”. شعارٌ أردنا أن يكون مرافقا لرواد منبرنا هذا ومرجعا لكل ما يُنشر فيه.
نعتقد جازمين أنّ ما آل إليه حال كثير من المسلمين في علاقتهم بدينهم من تشويش وسوء فهم والتباس إنما هو بسبب تدخّل الطفيليين وسعيهم الدؤوب من أجل أن يكونوا وسطاء بين الناس وربّهم. فقد نجحوا في إقناع المسلمين بالتخلي عن إعمال عقولهم ودفعهم إلى الاعتماد في كل صغيرة وكبيرة -من أمور دينهم- على الذين نصّبوا أنفسهم وكلاء حصريين لتسيير العلاقة بين العبد وربّه. هذا الواقع الذي تحوّل إلى حالة مَرَضية نرى فيها المرء عازفا تماما عن التفكير في أي شيء له علاقة بأمور العبادة، فنجده مثلا لا يملّ من طرح أسئلة سخيفة تجعل الجاهل يتشجع لملء الفراغ بتقديم نفسه عالما جليلا بيده مفاتح الجنة والنار والرفض والقبول.
وكنتيجة منطقية بات عالمنا يعجّ بالوكلاء. فبعد أن كان ظهورهم يقتصر على بعض المنابر الإعلامية التقليدية، ها هم الآن تحوّلوا إلى راكبين محترفين لكل موجات وسائل التواصل الاجتماعي. طبعاً، لا هَمّ لهم غير التلاعب بعقول الناس وجني المزيد من الأرباح المالية والإعجابات. في سبيل تحقيق مآرب دنيوية ترى هؤلاء يلجؤون إلى كل الحيل والألاعيب لتوجيه أنظار الناس إليهم، فهم لا يتورّعون عن تقطيع تسجيلات سابقة لهم وإعادة بثها بتواريخ حديثة لإيهام الناس بأنها مقاطع جديدة تعالج مسائل مستجدّة، ولا يجدون حرجا في اختراع قضايا ومسائل فقهية ما أنزل الله بها من سلطان.
قد لا نجد لهؤلاء تسمية محددة، وقد لا تكون الأوصاف التي نطلقها عليهم دقيقة، لكنها كلها قد تؤدي الغرض وتقودنا إلى غاية واحدة هي فضحهم ومحاولة ردعهم، وقبل كل هذا نزع غشاوة التبعية الزائفة عن أعين الناس وإفهامهم أن الله عزّ وجلّ خلق العباد وأنزل عليهم دينهم بطريقة مُيَسّرة لا ألغاز فيها ولا تعقيدات ولا وساطات.
قد تلاحظون عبر تنقلكم بين أقسام هذا المنبر تسميات متعدّدة لوصف الذين يقفون حاجزا بين العباد وربهم. فهم “الوكلاء”، و”الوسطاء” و”الدجالون” و”الدراويش” و”تجار الدين” الذين {يشترون بعهد الله وآياته ثمنا قليلا}. وحتى لا نسقط في التعميم الظالم، لا بدّ من التأكيد على وجود استثناءات (قليلة) من علماء وأساتذة يكافحون من أجل ردّ الأمور إلى نصابها وعدم الخوض إلا في المسائل التي تحتاج فعلا إلى نقاش وتبصرة.
كيف يمكن في هذه الحالة التعرّف على “الدراويش” والفصل بين الغثّ والسمين؟ الطريقة سهلة وبسيطة في نظرنا. “الدّجالون” هم أولئك الذين لا حضور لهم ولا عمل في هذه الحياة إلا بالتنقل بين استديوهات القنوات التلفزيونية والإذاعية، يجلسون لاستقبال أسئلة الناس وإطلاق الفتاوى عليهم بلا كلل ولا ملل. أناس لا تراهم لا في الجامعات ولا في مراكز البحث ولا في المكاتب ولا حتى في المحلات يكدون ليكسبوا مالا حلالا مقابل علم أو عمل نافع في الدنيا والآخرة. الانفجار التكنولوجي وسنوات الجائحة جعلت “تجار الدين” هؤلاء يتعففون حتى عن جهد التنقل إلى مقرات وسائل الإعلام، فصاروا يكتفون بالجلوس في بيوتهم أمام كاميرات هواتفهم يقولون كلاما لا فائدة فيه للمسلمين في مسارات حياتهم. فيديوهات يومية تتضمن أي كلام مقابل عدد معتبر من المشاهدات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أننا قد خصصنا في هذا المنبر ركنا لعرض نماذج من السلع التي يعرضها هؤلاء “الدراويش” على الناس ثم تبيان ما فيها من أخطاء وتناقضات وتضليل. والمجال مفتوح أيضا لكل من يريد المساهمة في إثراء النقاش والمساعدة على تصحيح المفاهيم والرؤى وتوجيه عقول المؤمنين إلى ما يفيدهم من عمل في الدنيا يقودهم إلى الفوز في الآخرة.
هذا المنبر أسّسناه ليكون منصة حوار فكري وتبادل آراء دون تعصب ولا عصبية.
لا يوجد بشريٌّ يمتلك الحقيقة المطلقة ولا أحد منا يمكنه الادعاء بأنه يفقه كل شيء؛ وعليه فإن المطلوب من جميع رواد هذا المنتدى أن يتكاملوا ويتحاوروا بالتي هي أحسن لعلنا بذلك نساهم في إصلاح شيء مما أفسده المتلاعبون بنا وبديننا الذي يبقى أقدس ما يملكه المؤمن في حياته.
نُشهِد الله على أنّ ما نكتبه هنا ليس فيه أي نية للإساءة لا إلى الدين ولا إلى أحد. نحن فقط نعتقد أن كثيرا من ديننا تعرّض للتشويه والإفساد، فرأينا أن نحاول تبيين مواطن الفساد (المتعمّد منه وغير المقصود).
من أجل كل هذا فإننا ندعو كل من يريد مرافقتنا في المسير أن يبتعد عن كل إيذاء لفظي في مساهماته وفي مناقشاته وفي ردوده، وأن تكون مساهماته خالصة لله وهادفة إلى التنوير والإصلاح.
واللهَ نسأل أن يوفقنا ويسدّد عملنا.